تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

تعتبر سورة النور من السور المدنية التي عنيت كثيرًا بالأخلاق والآداب الإنسانية، وهي من السور المدنية وتتألف من أربع وستون آية، وسنقوم في هذا المقال بتسليط الضوء على تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

سبب تسمية سورة النور بهذا الاسم

تحتوي سورة النور التي هي من سور الجزء الثامن عشر من سور القرآن الكريم.

على الكثير من التوجيهات والآداب التي يجب على المسلم أن يتقيد بها من أجل أن يحافظ على نفسه وأسرته.

وأن يكون المجتمع الإسلامي مترابط متماسك، وبالتالي يكون محصن من الانهيار والتفكك.

وقد أشار بعض الفقهاء والمفسرين أن هذه الأحكام والتوجيهات الإلهية تعتبر بمثابة النور والضياء للمسلم، ولذلك سمِّت هذه السورة (سورة النور).

شاهد أيضًا: فوائد سورة الواقعة للرزق

تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

إن تفسير الآية (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) يتمثل بما يلي:

  • لقد وصف الله تبارك وتعالى المسلمين الذين يواظبون على الصلاة في المسجد بصفةٍ جليلةٍ.
    • وهي أنهم هم الرجال الحقيقيون الذين لا تلهيهم أو تبعدهم أموالهم وأعمالهم مهما كثرت عن الصلاة المفروضة، أو ذكر ربهم عزّ وجل.
  • كما أن هؤلاء الرجال الحقيقيون ما كان حبَّ المال ليمنعهم من أداء حقّ الله في أموالهم.
    • ومن الإنفاق في سبيل الله على الفقراء، وفي أبواب الخير الأخرى.
  • ولقد خصص الله سبحانه وتعالى الرجال في هذه المزيّة، وذلك لأن الصلاة واجبةٌ على الرجال في المسجد دون النساء.
    • ولذلك فإن المعنى العام يصبح أن الرجال الصادقين هم الذين لا تُشغلهم تجاراتهم وأعمالهم ومكاسبهم الدنيوية عن الصلوات الخمسة.
    • وأداؤها في وقتها دون تأخير، كما أنهم لا يتوانون عن أداء زكاة أموالهم.
    • حيث يسرعون في دفعها مهما بلغت دون تباطؤ.
  • إن قول الله تعالى: َ(تتَقلّبُ فيهِ القُلُوبُ والأبْصَاْر).
    • أي أن كل ما سبق ذكرهُ من المواظبة على الصلاة والزكاةِ وفعل الخيراتِ بسبب خوفِ أؤلئك الرجال من يوم القيامة التي تصل فيه القلوب للحناجر.
    • وتشخص فيه الأعين من هول الموقف.
  • أما قول الله عزّ وجل (إقاْم الصَّلاْتِ) ولم يقل أداءِ الصلاة فيعني أن يؤدي المؤمن الصلوات المكتوبة بكامل أركانها من حضورٍ للقلب.
    • وخشوعٍ للجوارح، ومراقبةٍ لله تعالى، مع التقيد بشروط الصلاة من طهارةٍ للثياب والبدن، ودخولٍ للوقت والتوجه نحو القبلة.

بعض أقوال المفسرين في تفسير الآية

هذا استعراض تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله لبعض المفسرين

  • تفسير السعدي: يذكر الله في المسجد رجالٌ لا يفضلون حياتهم الدنيا على أن يحظوا برضا الله -عزَّ وجلَّ- بما تحتويه الدنيا على ملذاتٍ وأموال ولا تلهيهم عنه.
    • بل تكون طاعتهم لله وعبادتهم له هي الغاية التي يمضون إليها.
    • وعلى الرغم من الصعوبة في ترك الحياة الدنيا لأن القلوب تتعلق بها.
    • لكن الله يسّر هذا على المؤمنين وذكر لهم ما يهديهم إلى الابتعاد عنها من أحوال يوم القيامة.
  • تفسير البيضاوي: هؤلاء الرجال لا يلهيهم عن أن يذكروا الله -عزَّ وجلَّ- والقيام بالفرائض من صلاة وزكاة وغيرها.
    • أي تجارة رابحة مع الله عز وجل، أما البيع فقد خصص ليحقق الربح الأكبر.
    • أما الشراء فإنَّه يُتوقع الربح فيه، وهناك من قال أنَّ المقصود بالتجارة في هذا الموضع هو الشراء لأنَّه الأصل بها.
    • وهؤلاء الرجال برغم طاعتهم هذه وعبادتهم لله ومداومتهم عليها.
    • فقلوبهم ترتجف من أهوال يوم القيامة ومواقفه.
    • وهي تخفق فتفهم وتتبصر ما لم تكن تفهمه وتتبصر به في السابق.

لماذا علينا معرفة معاني مفردات الآية؟

بعد أن أسلفنا تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

فيجب أن نعرف أنَّ القرآن الكريم قد أُنزل بلغة عربية، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

فبذلك تعد القاعدة الأساسية لتفهم القرآن الكريم والتعرف على أسراره هو أن يعرف المؤمن اللغة العربية، وقد عقل العلماء السابقون هذا الأمر.

حتَّى يقال أنَّ الإمام الشافعي بقي يتنوّر من اللغة العربية لفترة قدرها عشرون سنة، قاصدًا أن يفهم القرآن والسنة الشريفة.

وهنا يمكننا القول أنه حريّ بكلِّ مسلمٍ قصد التنوّر بأسرار القرآن الكريم ومعرفة المقود من كلامه عز وجل، أسوة بمن سبقه من علماء الأمة وأئمتها، وأن ينصرف لدراسة لغته وما يخصها.

والتأمل في المعاني لمفردات آيات القرآن الكريمة لغويًا وبلاغيًا؛ لأنَّها الطريق إلى معرفة المقصود من الآيات.

ومن هنا فسيتم تحديد فقرتنا هذه لتوضيح معاني مفردات قوله عز وجل: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.

اقرأ أيضًا: فوائد سورة الحشر الروحانية

شرح مفردات الآية الكريمة

معرفة المفردات سبيل ل تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهي كالتالي:

  • رجال: جمع رجل، وهم الذكور البالغين من البشر.
  • تلهيهم: مصدرها تلهِّي، وهو الانشغال عن الأمر وإعراض الشخص عنه وعدم اهتمامه به.
  • تجارة: تشغيل المال بالبيع والشراء لأجل الربح.
  • بيع: عملية يتم من خلالها تبديل شيء بآخر، بحيث يتساويان بالقيمة.
  •   الصلاة: الركن الأول من أركان الإسلام، وهي عبارة عن فريضة فرضها الله -سبحانه وتعالى- على عباده المؤمنين.
  • الزكاة: الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي مقدار من الأموال أو الأشياء العينية فرضها الله -عزَّ وجلَّ- تعطى من مال الغني إلى الفقير  بشروطٍ مخصوصة.
  •  يخافون: مصدرها الخوف، وهو انفعالٌ يحصل في ذات الإنسان بسبب توقع حدوث مكروه أو زوال محبوب. تتقلب: إصابة تغير واضطراب. القلوب: جمعٌ لقلب، وهو عبارة عن عضو من الجسم عضلي مجوف يستقبل الدم القاتم من الأوردة ويعيد ضخه قانيًا عبر الشرايين.

إعراب مفردات الآية الكريمة

معرفة إعراب مفردات الآية ضروري، لأنه السبيل للفظ المفردات بشكل صحيح دون وجود أخطاء بالتشكيل، وإعرابها كالتالي:

  • رجال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • لا: نافية.
  •  تلهيهم: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والضمير المتصل “هم” مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
  •  تجارةٌ: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  •  ولا: (الواو) الواو حرف عطف، و(لا) زائدة.
  •  بيعٌ: اسم معطوف على (تجارة)، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
    قطوف مستوحاة من الآية الكريمة

للآية أثر قوي على قلب كل مؤمن، فكلماتها فيها إيقاع يشتمل على الترغيب والترهيب وفيما يلي توضيح لذلك:

  • يعد مقياس الرجولة بشدة التزامه بأوامر الله -عزَّ وجلَّ- والابتعاد عن نواهيه وطاعته بكل أحواله.
  • عُمّار المساجد وأهله من داوموا على ذكر الله عز وجل وتسبيحه هم من يعدّون أهلٌ للخير والفضل.
  • على الرغم من أنَّ البيع والتجارة من الأشياء المسموحة في الدين الإسلامي، إلَّا أنَّه جل جلاله آثر على المؤمن الحق أن يترك الانشغال بها عن ذكر الله وإقامة الصلاة، وهذا يربي في المسلم  ترك المحرمات والمكروهات كذلك.
  • من وضع الخوف من الله أمام عينيه، لا يزعجه تركه ما ينفعه لأجل إرضاء الله سبحانه وتعالى عنه.
  • الأفضل والأهم  بالنسبة للمسلم أن يقدم الفرض على النفل وكذا المباحات.
  • من الحكمة أن يقدم المسلم ما هو مفيد على ما هو أشد فائدة.
  • إنَّ مواقف يوم القيامة صعبة على العباد كلهم، لذا حري بكل مسلم أن يعمل بإحسان وإخلاص.

شاهد من هنا: فضل سورة البقرة في علاج الوسواس

 وبذلك نكون قد بينا في مقالتنا هذه تفسير: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فآمل أن نكون قد أوصلنا المطلوب.

مقالات ذات صلة